مغص ما بعد الولادة: الأسباب، الأعراض، وطرق التخفيف

يُعتبر مغص ما بعد الولادة (Postpartum Cramps) أحد الظواهر الشائعة التي تعاني منها النساء بعد الولادة مباشرة، ويُعد جزءاً طبيعياً من عملية تعافي الرحم وعودته إلى حجمه الطبيعي بعد الحمل. ورغم أن المغص يُعد مؤشراً على تعافي الجسم واستعادته لتوازنه الفسيولوجي، إلا أن الألم المصاحب له قد يكون مزعجاً، وأحياناً شديداً، مما يدفع العديد من النساء إلى التساؤل عن أسبابه، وطبيعته، وطرق التعامل معه بفعالية.

تتنوع شدة المغص ومدته من امرأة إلى أخرى، وذلك باختلاف عوامل مثل عدد الولادات السابقة، ونوع الولادة (قيصرية أو طبيعية)، وحالة الرحم، والتغذية، ومستوى الرضاعة الطبيعية. وغالباً ما يكون المغص أكثر شدة في الأيام الأولى بعد الولادة، ثم يبدأ بالتلاشي تدريجياً خلال أسبوع إلى أسبوعين.

أولاً: ما هو مغص ما بعد الولادة؟

مغص ما بعد الولادة هو انقباضات عضلية في الرحم تحدث بعد ولادة الطفل، وهي شبيهة بانقباضات الدورة الشهرية ولكنها قد تكون أكثر حدة. تعود هذه الانقباضات إلى الجهود التي يبذلها الرحم للانكماش والعودة إلى حجمه الطبيعي، بعد أن تمدد بشكل كبير لاستيعاب الجنين والمشيمة والسائل الأمنيوسي.

الانقباضات تحدث نتيجة لإفراز هرمون “الأوكسيتوسين”، الذي يُحفّز انقباض عضلات الرحم. يُفرَز هذا الهرمون بشكل طبيعي أثناء الرضاعة الطبيعية، لذا تُلاحظ العديد من الأمهات تفاقم الألم خلال أو بعد عملية الرضاعة.

ثانياً: الأسباب الفيزيولوجية لمغص ما بعد الولادة

تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى حدوث مغص ما بعد الولادة، وتندرج معظمها ضمن العمليات الطبيعية التي يمر بها الجسم خلال فترة النفاس:

1. العودة إلى الحجم الطبيعي للرحم

خلال الحمل، يزداد حجم الرحم تدريجياً ليصل إلى حجم يقارب 15 ضعفاً من حجمه الطبيعي. بعد الولادة، يبدأ بالانقباض تدريجياً ليعود إلى وضعه السابق، وهو ما يؤدي إلى الشعور بالمغص.

2. الرضاعة الطبيعية وإفراز الأوكسيتوسين

الرضاعة الطبيعية تُحفّز الغدة النخامية على إفراز هرمون الأوكسيتوسين، وهو المسؤول عن انقباضات الرحم. وعلى الرغم من فائدته الكبيرة في منع النزيف بعد الولادة، إلا أنه أيضاً يزيد من حدة المغص.

3. وجود جلطات دموية أو بقايا مشيمية

في بعض الحالات، قد يرافق المغص خروج كتل دموية أو أنسجة مشيمية متبقية من الرحم، مما يزيد من حدة الانقباضات والألم.

4. عدد الولادات السابقة

النساء اللواتي سبق لهن الولادة أكثر من مرة غالباً ما يشعرن بمغص أقوى، إذ إن عضلات الرحم تفقد بعضاً من مرونتها مع كل ولادة، مما يجعل الانقباضات أكثر وضوحاً وألماً.

5. العدوى أو الالتهابات الرحمية

في بعض الحالات النادرة، يكون المغص نتيجة التهاب في الرحم أو في الأنسجة المحيطة به، مما يستدعي تدخلاً طبياً.

ثالثاً: الأعراض المصاحبة لمغص ما بعد الولادة

لا يقتصر مغص ما بعد الولادة على الشعور بالألم في أسفل البطن، بل قد يصاحبه عدد من الأعراض الأخرى التي تدل على طبيعة التغيرات الجسدية في مرحلة النفاس، ومن أبرز هذه الأعراض:

• آلام تشبه تقلصات الدورة الشهرية

• زيادة شدة الألم خلال الرضاعة

• نزول إفرازات مهبلية (النفاس) مع أو بدون كتل دموية

• آلام أسفل الظهر

• شعور بالضغط في الحوض

• إرهاق وتعب عام

• تغيرات مزاجية نتيجة لتقلبات الهرمونات

رابعاً: المدة المتوقعة لمغص ما بعد الولادة

في العادة، يستمر مغص ما بعد الولادة لعدة أيام بعد الإنجاب، وقد يمتد لأسبوع أو أكثر في بعض الحالات. يكون الألم أشد ما يكون خلال أول 3 إلى 5 أيام بعد الولادة، ويبدأ بالتناقص تدريجياً مع تقلص حجم الرحم واستقرار الحالة الهرمونية.

ومع ذلك، تختلف مدة المغص من امرأة إلى أخرى بحسب طبيعة الولادة، وعدد الولادات السابقة، ونمط التغذية (رضاعة طبيعية أو صناعية)، والصحة العامة للأم.

خامساً: الفرق بين مغص الولادة الطبيعية والقيصرية

في حالة الولادة الطبيعية، يكون الرحم أكثر قدرة على الانقباض بشكل طبيعي، مما يجعل المغص أكثر وضوحاً. أما في الولادة القيصرية، وعلى الرغم من أن الجراحة تساعد في إزالة المشيمة، إلا أن الرحم لا يزال بحاجة إلى الانقباض، وقد تعاني المرأة من مغص بعد الجراحة أيضاً، بالإضافة إلى ألم الجرح الجراحي.

الرضاعة الطبيعية في كلتا الحالتين تؤدي إلى زيادة في المغص بسبب إفراز الأوكسيتوسين، ولكن في الولادة القيصرية، قد يتداخل مغص الرحم مع الألم الناتج عن الشق الجراحي، مما يزيد من صعوبة التمييز بين نوعي الألم.

سادساً: كيفية التخفيف من مغص ما بعد الولادة

1. الرضاعة الطبيعية المنتظمة

رغم أن الرضاعة تُفاقم الألم مؤقتاً، إلا أنها تُسرّع من عملية الشفاء وانكماش الرحم، مما يُقلل من المدة الإجمالية للمغص.

2. استخدام المسكنات الموصوفة

يمكن استخدام بعض المسكنات مثل الإيبوبروفين أو الباراسيتامول تحت إشراف الطبيب لتخفيف الألم دون التأثير على الرضاعة.

3. الراحة والنوم الكافي

الراحة تُمكّن الجسم من التعافي بسرعة، وتُخفف من التوتر الجسدي الذي قد يزيد من الشعور بالألم.

4. التدليك الخفيف للبطن

يساعد التدليك في تنشيط الدورة الدموية وتخفيف التشنجات، ولكن يجب أن يتم بلطف ودون الضغط الشديد.

5. استخدام الكمادات الدافئة

تُعد الكمادات الدافئة وسيلة فعّالة في تخفيف تقلصات الرحم، حيث تعمل على استرخاء العضلات وزيادة تدفق الدم.

6. تجنب الإمساك

الإمساك يُفاقم من تقلصات البطن، لذلك يُنصح بتناول الأطعمة الغنية بالألياف، وشرب كميات كافية من الماء.

7. التمارين الخفيفة بعد الإذن الطبي

بعد مرور أيام من الولادة، قد يساعد المشي الخفيف أو تمارين التنفس في تحفيز الشفاء وتقليل شدة المغص.

سابعاً: متى يجب مراجعة الطبيب؟

رغم أن مغص ما بعد الولادة غالباً ما يكون طبيعياً، إلا أن هناك حالات تستدعي مراجعة الطبيب فوراً، وتشمل:

• استمرار الألم لأكثر من أسبوعين دون تحسن

• ارتفاع درجة الحرارة

• إفرازات مهبلية ذات رائحة كريهة

• نزيف مهبلي غزير

• ألم مفاجئ وحاد غير معتاد

ثامناً: الفروقات الهرمونية وتأثيرها على المغص

تلعب التغيرات الهرمونية دوراً أساسياً في تحديد شدة مغص ما بعد الولادة. فبعد الولادة، ينخفض مستوى هرمونات الحمل مثل البروجسترون والأستروجين بشكل مفاجئ، وهو ما يُسبب تغيرات مفاجئة في المزاج والشعور الجسدي.

في المقابل، يرتفع مستوى هرمون الأوكسيتوسين بشكل ملحوظ أثناء الرضاعة، وهو الهرمون المسؤول عن تحفيز انقباض الرحم. هذا التفاعل الهرموني قد يؤدي إلى مغص متكرر أو أكثر شدة خلال الأيام الأولى من الولادة، ولكنه ضروري لحماية الأم من النزيف ومساعدة الرحم على الشفاء.

تاسعاً: الجدول التالي يوضح الفرق بين المغص الطبيعي والمغص الناتج عن مضاعفات

عاشراً: نصائح غذائية للتقليل من حدة المغص

تلعب التغذية دوراً كبيراً في تحسين التعافي بعد الولادة والتقليل من الأعراض المصاحبة مثل المغص. وتُوصى المرأة خلال فترة النفاس بما يلي:

• الإكثار من شرب الماء والسوائل الدافئة

• تناول أطعمة غنية بالكالسيوم والمغنيسيوم مثل الحليب والموز والسبانخ

• الابتعاد عن الكافيين والمشروبات الغازية التي قد تزيد من التقلصات

• تعزيز تناول الألياف لتفادي الإمساك

• الاهتمام بالأطعمة المضادة للالتهابات مثل الزنجبيل والكركم

الخلاصة

مغص ما بعد الولادة هو أحد مظاهر الشفاء الجسدي الطبيعي، ويُمثل عملية فسيولوجية ضرورية لعودة الرحم إلى حجمه الطبيعي وتوازن الجسم بعد الحمل والولادة. وعلى الرغم من كونه مزعجاً في بعض الأحيان، إلا أنه غالباً ما يكون مؤقتاً ويمكن السيطرة عليه من خلال اتباع نمط حياة صحي، والاهتمام بالتغذية، والراحة، والاستعانة بالإرشادات الطبية عند الحاجة.

المراجع:

1. Cunningham, F.G. et al. Williams Obstetrics, 25th Edition. McGraw-Hill Education, 2018.

2. American College of Obstetricians and Gynecologists (ACOG). Postpartum Care Guidelines. www.acog.org